أنامنيسيس [ذاكرة] الوقت الحاضر:وجهات نظر مُتقاطعة حول الطريق 181 للمخرجين إيال سيفان وميشيل خليفي

أنامنيسيس [ذاكرة] الوقت الحاضر: وجهات نظر مُتقاطعة حول الطريق 181 للمخرجين إيال سيفان وميشيل خليفي
بقلم لوك باشلو – روز ماري غودييه


 

« ... الآخر وحده يمكنه أن يشفي والتحرّك باتجاهه. »

ميشيل لو بري

 

During the summer of 2002, Palestinian filmmaker Michel Khleifi and Israeli filmmaker Eyal Sivan decided to embark together on a quest for what may not quite be an utopia: a common country, undivided, that they named Palestine-Israel. The chosen format for this documentary, as with Road One/USA directed in 1988 by Rober Kramer, is that of the road movie. The two films indeed borrow to this cinema of fiction some of its prerogatives: those that establish the road as “a place of the identity quest and the journey of two people[2]”.

Road movies, or at the very least those that focus on traveling across the United States, can also be seen as revisiting the movement of previous generations of immigrants, who have shaped the country’s identity.[3] We could say that both Route One/USA, and Route 181 “reenact” the founding myths of their respective countries: both documentaries are not as much an attempt to challenge a utopia through surveying the real territory, as they are a way to stress the real territory, by taking into consideration the utopia.

The invention of the place

خلال فصل الصيف من العام 2002، قرّر المخرج الفلسطيني ميشيل خليفي والمخرج الإسرائيلي إيال سيفان الانطلاق معًا في البحث عمّا قد لا يُشبه تمامًا المدينة الفاضلة: بلد مشترك، غير مقسّم، أطلقا عليه اسم فلسطين-إسرائيل. الصيغة المختارة لهذا الفيلم الوثائقي هي فيلم الطريق، تمامًا كفيلم الطريق واحد/الولايات المتحدة الأمريكية الذي أخرجه في العام 1988 روبرت كريمر. يستعير الفيلمان في الواقع بعضًا من امتيازات سينما الخيال: تلك التي تجعل الطريق "مكانًا للبحث عن الهويّة ورحلة يقوم بها شخصان ". يمكن وصف أفلام الطرق، أو كحدّ أدنى تلك التي تركّز على السفر عبر الولايات المتحدة، بأنها تعيد النظر في حركة الأجيال السابقة من المهاجرين، الذين شكلوا هويّة البلاد. يمكن القول إنّ كلّ من الطريق واحد/الولايات المتحدة الأمريكية، والطريق 181 "يعيدان تمثيل" الأساطير التأسيسية لبلديهما: لا يشكّل الفيلمان الوثائقيان محاولة لتحدّي اليوتوبيا من خلال مسح الأراضي الحقيقية، بقدر ما هما وسيلة للتأكيد على الأراضي الحقيقية، من خلال أخذ اليوتوبيا في الاعتبار.

اختراع المكان

خطّة التقسيم لعام 1947: الخريطة مع الطرق - (الشكل 1)

في الواقع، "الطريق 181" لا يظهر على أي خريطة. يقوم سيفان وخليفي برسم الحدود المُعقّدة بين دولة إسرائيليّة ودولة فلسطينيّة، كما هو مخطّط له بموجب قرار الأمم المتحدة رقم 181 الصادر في العام 1947، وهما على "الطريق" لاستكشاف بلدهما، فقط هما الاثنان. في نظر المخرجين، إنّها في الواقع رحلة، تبدأ من طريق "تأسيسي" مشابه للطريق واحد الذي سلكه روبرت كريمر في الولايات المتحدة الأمريكية - والفرق الوحيد هو أن التصميم الذي قررته الأمم المتحدة في العام 1947 كان في الأساس تصميم تقسيم. بالنسبة إلى سيفان وخليفي، كما هو الحال بالنسبة إلى لعديد من المؤرخين المعاصرين ، فإن العام 1947 هو اللحظة التي بدأ فيها كلّ شيء. لنتذكر أن هذا القرار، الذي رفضته أغلبية البلدان العربية، أدّى إلى اندلاع حرب 1948، التي لا تزال مستمرة حتى يومنا هذا. وبالنسبة إلى مخرجينا، من خلال اختيار "رسم الحدود على التلال وفي السهول، وعلى الجبال وفي الوديان، قمنا أيضًا بنقشها بشكل دائم في عقول وقلوب شخصين وفي اللاوعي الجماعي لهذين المجتمعين ". إنشاء خط الصدع هذا على "الطريق" هو أوّل خطوة نحو الشفاء المحتمل.

ينتمي الطريق 181 إلى ما عرّفه ديدييه كورو بأنه "إعادة الكتابة السينمائيّة للعالم ". وباستخدام الفجوة التي تفترضها الرحلة، فهو قادر على استخراج نفسه من الواقع المباشر وتوفير مساحة للمتفرج تتدفق فيها الأفكار، يعيدًا عن العواطف الجيّاشة التي يثيرها الصراع الإسرائيلي الفلسطيني لا محالة.

"المسافر يُشبه المؤرخ نوعًا ما... "

الطريق في الضفة الغربية مع خريطة على لوحة القيادة - (الشكل 2)

تحت ذريعة الجغرافيا، الطريق 181هو أولاً وقبل كلّ شيء رحلة عبر الزمن. ورغم أنّ الطريق يستند إلى الذاكرة، إلا أنّه يشكّل أولاً صراع ضدّ نسيان المشهد الطبيعي. ومن هنا فإن الطريق 181 يركّز على الأنقاض التي تظهر هنا وهناك، وعلى العلامات المعزولة للقرى المتناثرة على مسار الرحلة، فضلًا عن تذكّر أسماء الأماكن، التي لم تعد موجودة الآن، ولكن يكفي طرح سؤال واحد لاسترجاعها من رحم الذكريات - ذكريات الفلسطينيين طبعًا إنّما أيضًا ذكريات الإسرائيليين. كتب والتر بنيامين في "حول مفهوم التاريخ"، أن يكون المرء مؤرخًا يعني " صقل التاريخ ضد التيار ". إتباع مخطط العام 1947 يسمح بوجود احتكاك حادّ بين عدّة فترات زمنية: العام 1947، حرب العام 1948؛ والنكبة والمحرقة؛ وزمن الهجرات المتعددة والحروب؛ والعام 2002، والانتفاضة الثانية وزمن الفيلم الحاضر؛ وأخيراً زمن اليوتوبيا.
على الطريق

لقطة للمخرجين من الخلف –  (الشكل 3)

إذا كان هدف المُخرجين هو استبدال "فكرة التقسيم بفكرة المشاركة"، فاليوتوبيا يتم تنفيذها بالفعل من خلال النظام السينمائي لهذا الفيلم الوثائقي، حيث قرّر خليفي وسيفان منذ البداية مشاركة الفيلم، كتصوّر مسبق للتقاسم المحتمل للإقليم. من خلال اتخاذ قرار التحوّل إلى رحالة، على غرار رحّالة التسلسل الأول، نأى المخرجان بنفسيهما طوعًا لصالح الهامش الجغرافي والأيديولوجي، وهو عبارة عن مكان وزمان يُعاد ابتكارهما. تعلن الشارة الافتتاحية عن تدابير الفيلم العامة: رؤيتنا لن تكون رؤية اندماج، إنّما رؤية شبه ذاتية، ضمن فيلم "بيضاوي الشكل"، لأنه يرتكز على منزلين. في الطريق 181، يسمح تنسيق فيلم الطريق أيضًا باستقطاب المتفرجين، لإبلاغهم بمتطلبات التنقل هذه - هذه الضرورة للتخلص من الكليشيهات، من المواقف الثابتة والمبسطة: هنا، الرحلة هي عبارة عن قصّة خيال، جهاز تمثيل، يسمح بتغيير منظور المتفرج للواقع.

وعلاوة على ذلك، بالنسبة إلى سيفان، فإن جمع الصور، أي عمليّة التحرير بعبارة أخرى، هو بمثابة أمر للتفكير: فهو يسمح بالاستمرارية، وفق خطّ سردي، للأجزاء المفكّكة. السرد يسمح لنا بالتالي بإعادة تكوين التاريخ. فمشاركة الأرشيف بالنسبة إليه تشكّل بالفعل بداية حوار محتمل. كما أن هذه الرحلة تخلق مكانًا شاغرًا، سواء بالنسبة إلى المخرجَين أو المتفرجين: يفصلنا الجزء الداخلي من السيارة عن الواقع المباشر، وتصلنا لأخبار مكتومة من خلال جهاز الراديو. الرحلة مُقسّمة إلى فواصل مع التدفق اليومي للأحداث، وتضعنا في زمن معلّق، وقت ضائع نوعًا ما، يمكنه الترحيب بجميع أنواع الأوقات.

وعلى الرغم من أن هذا الفيلم يعيد تمثيل، حوالى العام 1947، فترات من الماضي المؤلم والحديث إلى حدّ ما، يبدو أن شكله بالتحديد ينشأ من فترة أكثر قدمًا بكثير، محفورة في ذاكرة عمرها ألف عام لهذه المنطقة الشرق أوسطية - وهي فترة أقدم حتى من زمن الكتاب المقدّس الذي ذكره بعض أبطال الفيلم. شكل من شأنه أن يطارد الفيلم بلا وعي. يمكن القول إن الطريق 181يحتفظ ببصمة الملحمة التاريخية الأولى التي كانت حضارة بلاد ما بين النهرين ترغب في نقشها على ألواح الطين. كانت الرحلة والطرق موجودة بالفعل منذ ثلاثة آلاف عام في زمن سعي إنكيدو وجلجامش العسير وهو ما يُشكل إنسانيتنا المشتركة.

التأسيس
يمكن لهذه الملحمة التي تروي قصّة ملك المدينة السومرية القويّة اوروك (العراق حاليًا)، ورفيقه إنكيدو، وأعمالهما البطوليّة أن تتفوّق على نموذج فيلم الطريق الحديث -- ليس فقط لأنها أقدم ملحمة مكتوبة على الإطلاق في تاريخ البشرية ، ولا حتى لأن المنطقة الجغرافية حيث حدثت هذه المغامرة الاستثنائيّة هي نفسها التي جابها سيفان وخليفي، لا بل لأن هيكليتها ومحتوى أحداثها تقدّم أبرز الخصائص التي تميّز فيلم الطريق: رحلة يقوم بها اثنان؛ ينتج عنها سلسلة من الإخفاقات؛ وينتهي الأمر بفرض مبدأ الواقع الذي يتم الخلط بينه وبين ما يمكن تسميته "متلازمة السعي إلى الخلود"، والمحاولة بجميع الطرق للسيطرة على الزمن، حتى لو لم يتم الإعلان صراحة عن ذلك.

Fig 4. Tablet recounting one of the episodes of the epic of Gilgamesh

تُخبرنا الملحمة عن واقع معيّن، إنّما أيضًا عن الاقتناع بأن ما يحدث يتجاوز هذا الواقع، ويمكن أن يُحوّله أو أن يشكّل أساسًا لتكوين جديد للعالم. لا يُرسّخ هذا الأساس نفسه بسهولة: رحيل، وتمزّق، ومسارات مليئة بالعثرات، ومعارك مميتة، ويبدو أنّها من المسلّمات، وأنّها ضروريّة، وتتميز بخاتم العنف. ولكن ألا يشكّل ذلك مبدأ كل أساس؟ تمّ إنشاء النسخة القياسية من هذه الملحمة بين 1300-1200 قبل الميلاد. وهي النتيجة النهائية لعملية تطوير طويلة استمرت حوالى 2000 سنة. حدث ذلك في بلاد ما بين النهرين، في جنوب العراق الحديث. ولأسباب بيئية - سهل غريني خالٍ من الأحجار والخشب، بالقرب من الصحراء العربية الفارسية الشاسعة - شكّلت بلاد ما بين النهرين في الوقت نفسه أرض المراسي المستقرّة وأساس المدن الأولى، إنّما كانت أيضًا أرض الرحلات والحركات المستمرة، وأرض الرحالة، حيث سهّلت إلى حدّ كبير جميع أنواع التبادلات ونشر المهارات والمعرفة. هذه هي إحدى السمات المميزة لهذه المنطقة. تستمدّ ملحمة جلجامش ثراءها من اقتران هذين التقليدين الثقافيين المختلفين. الى جانب ذلك، فهي تُمهّد الطريق لشخصين مختلفين بشكل جذريّ، جلجامش وإنكيدو للانطلاق معًا في مغامرة. هما يقومان بذلك لمواجهة المصير الصعب الذي فرضته الآلهة. الملحمة مؤلّفة من حلقتين مهمّتين : رحلة يقوم بها اثنان نحو جبال لبنان والسعي الفردي للخلود. العمليّتان مرتبطتان ببعضهما البعض هيكليًا، ولا معنى لأيّ واحدة من الاثنين من دون الأخرى، كما سنرى. الحلقة الأولى. جلجامش ملكٌ شاب يتميّز بقوّة استثنائية وبالاستبداد حتّى. وبضغط من سكان المدينة الذين أثار العنف الشديد قلقهم، قرّرت الآلهة أن تخلق شبيهًا له كان أيضًا نقيضه: إنكيدو. في حين كان جلجامش رجل المدينة، كان إنكيدو رجل الطبيعة البرية. يعيش عاريًا، بين حيوانات السهوب، يتشارك قوتها المرعبة ويأكل مثلها. في المدينة، يتواجه جلجامش مع كائن مشاكس وقويّ وشجاع مثله. يخوض الاثنان معركة لا تعرف الرحمة حتى يبلغان درجة الإرهاق. في النهاية، يُدرك المقاتلان قيمتهما بشكل متبادل، وتنشأ بينهما صداقة فيقرّران الانطلاق معًا في مغامرة، نحو الغرب، أيّ باتجاه لبنان، على الأرجح للعثور على ما تفتقر إليه ديارهما في أوروك، الخشب (رمز الثروة) - وبالتالي التوجه نحو بلاد الآلهة. تتخلّل رحلتهما العديد من المخاطر، ولا سيما مواجهة الغول، هومبابا، الذي يتمتّع بقوى استثنائيّة ومرعبة. فتحالفا ووحّدا قواهما، وتمكّنا من القضاء عليه والعودة منتصرين إلى أوروك وبجعبتهما لخشب الثمين. إلهة الحب، عشتار، أغرتها قوّة وشجاعة جلجامش، فطلبت منه أن يصبح عشيقها. فرفض! دفع الحقد الإلهة إلى قتل إنكيدو. غرق جلجامش في أحزانه بسبب هذا الفراق وثار بسبب طبيعة البشر الفانية. فقرّر الانطلاق في سعي بحثًا عن الخلود. يقصد جلجامش جانب العالم الآخر، متجهًا نحو الشرق هذه المرة، بحثًا عن الخلود. سيكشف له أوتنابيشتيم سرّ الخلود، وهو الإنسان الوحيد الذي نجا من فيضان سببه الله لإبادة البشرية. قبل أن يبلغ هذا الكائن الخالد، كان عليه مواجهة العديد من العقبات. بعد أن حصل جلجامش أخيرًا على نبتة الشباب الأبدي من أوتنابيشتيم، يقوم ثعبان بسرقتها منه. فيعود البطل إلى أوروك، خالي الوفاض، ولكنّه اكتسب الخبرة، وحتّى الحكمة. وأدرك أن الطريقة الوحيدة للوصول إلى الحياة الأبدية هي أن يخلّف وراءه القصص التي تروي أعماله البطوليّة بالإضافة إلى المعالم التي تدوم للأزل. ثم قام ببناء أسوار أوروك.

في فيلم الطريق، الصورة الرمزية الحديثة للملحمة، هي أيضًا قصّة تأسيسية. إن السعي إلى بناء مستقبل أفضل يكون مثمرًا عندما لا يقوم به رجل واحد فقط. ويذكّرنا نهج خليفي وسيفان بهذا التحدي: مغامرة مليئة بسحر وديّ تؤكّد لنا أنّ ما حقّقه شخصان يمكن أن يحققه مجتمعان أيضًا.

Fig 5. Gilgamesh and Enkidou Umbaba

العنف الخادع والتأسسي
ما زالت الأفلام الوثائقية الإسرائيلية الفلسطينية والملحمة السومرية - الأكادية تبيّن لنا أنّه لا يمكن التوصّل للوحدة أبدًا بشكل طبيعي، وأنه علينا أن نسعى إلى بنائها باستمرار. الاختلاف، التشرذم، الانهيار تأتي كلّها في المقام الأول. فالالتقاء يتطلب دائمًا عملاً تتخلّله سلسلة من الإخفاقات؛ وضع عنيف للغاية ربما يكون ضروريًا لتأسيس ما هو شائع، ومصاحب، لأي أساس. .

وفي الطريق 181، يعكس عنف التعليقات المُسجلة العنف الحقيقي: نحن في العام 2002، في ذروة موجة التفجيرات الانتحارية. ولكن إلى جانب هذا العنف المُباشر والظاهر، هناك أيضًا عنف غير مباشر: عنف الماضي، الذي لا يمكن تجاوزه، مثل المحرقة للإسرائيليين أو النكبة للفلسطينيين. هاتان المعاناتان، اللتان لا يمكن الخلط بينهما، تؤديان إلى أعمال عنف جديدة كلّ يوم وتزيدان من حدّة التوترات من خلال وضعهما تاريخيًّا تحت حكم الله. بالنسبة للكثير من الإسرائيليين (وحتى بعض المجتمعات المسيحية كما يظهر في الفيلم) أعطى الله أرض فلسطين للعبرانيين؛ وهذا أمر لا يمكن التشكيك به. بالنسبة إلى الفلسطينيين، سواء كانوا مسلمين أو مسيحيين، فإن إرغامهم على التنازل عن أرضهم هو ظلم غير مقبول. ثم يريد سيفان وخليفي تحقيق السلام من خلال بناء دولة مشتركة، ولكن لا يمكن أن يحدث ذلك إلا على حساب التضحية ، التي تتمثّل بتخلّي اليهود والفلسطينيين على حدّ سواء عن سيادتهما الحصرية على هذه الأرض. هذه بالفعل تضحية، وخسارة، ولكن إذا نجح هذا النضال في توحيد المجتمعين، فالعنف الذي شهدناه يكون كما يسمّيه بنيامين "العنف التأسيسي"، الذي لا يقوم فقط ببناء أساس الحقوق فحسب، بل يبني أيضًا أساس العدالة.

«لا تنسَ كلّ الطرق التي جبتها معك... »
فيلم الطريق هو عبارة عن سعي يهدف إلى تأسيس كيان جديد أو هويّة جديدة. وربما كان هذا الأساس أقرب إلى الفتح منه إلى السعي البسيط. يشير الأساس الصلب في الواقع إلى أن الرحلة ضروريّة دائمًا من أجل اكتساب العناصر التي لن تكون أبدًا في متناول اليد. ومن هذا الخارج يأتي الدعم والصلابة. كما حُكم على الأساس التلقائي بالانهيار. الخارج هو جزء من الفضاء (على جلجامش أن يقصد أطراف العالم، من الشرق والغرب)، ولكنّه أيضًا جزء من الزمن (على جلجامش أن يطلب المساعدة من أوتنابيشتيم الناجي الوحيد من الفيضان الذي حدث في قديم الأزمان). بالنسبة إلى سيفان وخليفي، قبل الوصول إلى اتحاد البلاد والمجتمعات الذي يعملان من أجل تحقيقه، كان من الضروري العودة إلى مصدر الصراع الفعلي: 1947. ويجب أن يترسخ هذا المستقبل المُراد بناؤه في آخرية الزمان والمكان، إنّما أيضًا في مواجهة حياتين، وتجربتين، ومجتمعين، يجسّدهما شخصان. إن إنشاء كيان "واحد" يتطلّب دائمًا تدخل كيانين "اثنين". وكما تقول باربرا كاسان: "لا نشعر أنّنا في ديارنا إلّا حيث يتمّ التعرف علينا. لا يمكن أبدًا أن نكون في ديارنا حين نكون وحدنا! نحن بحاجة إلى نظرة الآخرين الذين يتعرّفون إلينا بنا لنكون حقًا في ديارنا . نحن نبني هوياتنا فقط من خلال أخذ هوية الآخر في عين الاعتبار. وهذا ما تذكرنا به الملحمة وفيلم الطريق.


ميشيل لو بري، Fragments du royaume أجزاء من المملكة، عمل مشترك، Fragments du royaume لأدب مسافر، بروكسل، مطبعة كومبليكس، 1992، ص 133.

برنارد بينولييل وجان باتيست ثوريت فيلم الطريق الولايات المتحدة الأمريكية، باريس، هويبيكي، 2011، ص 96.

راجع برنارد بينولييل وجان باتيست ثوريت، المرجع المذكور سابقًا، ص 29. نحن نشير هنا إلى بيني موريس أو ايلان بابي، اللذين ينتميان إلى مجموعة "المؤرخين الجدد" في إسرائيل: أدى فتح الأرشيف البريطاني والإسرائيلي في العام 1998 إلى إعادة تقييم الحرب وأحداث العام 1948. راجع الموقع الرسمي لإيال سيفان، http://eyalsivan.net

ديدييه كورو « La Réécriture filmique du monde » "إعادة الكتابة السينمائية للعالم"، في رينيه غارديز (تحت إشراف) ، “Cinema and travel” "السينما والسفر" باريس، لارماتان، 2007، ص. 259-274.

فرانسوا دي شاتوبريان، Itinéraire de Paris à Jérusalem, et de Jérusalem à Paris، "المسار من باريس إلى القدس ومن القدس إلى باريس"، باريس، غاليمار، 2005، ص 56-57. شكر لماري كريستين غوميز جيرو التي لفتت انتباهنا إلى هذا الاقتباس من مقدمة Itinéraire المسار التي استخدمتها في بداية عرض لها من: ماري كريستين جيراو (تحت إشراف) مركز البحوث التابع للدائرة الفرنسية في باريس X نانتير.

والتر بنيامين، Sur le concept d’histoire "حول مفهوم التاريخ" في Œuvres III باريس غاليمار، 2000، ص 433.

راجع هيغل، Principe de la philosophie du droit "مبادئ فلسفة القانون"، الطبعة النقديّة التي أصدرها جان فرانسوا كيرفيغان، باريس، Presses universitaires de France "مطابع فرنسا الجامعيّة"، داركوادريج، 2013، § 350. بحسب هيغل، تخبرنا الملحمة عن واقع معين ما يدفع الأبطال إلى تأسيس دول. وهو اقتراح يتناوله أيضًا في Cours d’esthétique "محاضرة علم الجمال" (ترجمة ليفبر وفون شينك)، مجلّد 3، باريس، أوبييه، 1995، ص 309-310.

سنراجع l’Epopée de Gilgamesh, Le grand homme qui ne voulait pas mourir "ملحمة جلجامش، الرجل العظيم الذي لم يودّ الموت"جان بوتيرو العمل الأساسي (باريس، غاليمار، 1992) الذي يقدّم ترجمة كاملة للنص ومُقدمة غنيّة جدًا ووفيرة فضلاً عن العديد من التعليقات لقراءة واضحة تمامًا لهذا العمل الأول. تمّ التعرف على هذه الخاصية بسرعة من قبل جميع المتخصصين في هذه الحقبة الثقافية. فهي تظلّ بحق محوريّة في جميع تحليلات الشرق الأدنى القديم. للحصول على فكرة أفضل، يمكننا مراجعة وقائع ندوة دولية كانت مخصصة بالكامل لها في باريس في العام 1991: La Circulation des biens، des personnes et des idées dans le Proche-Orient ancien. "تداول السلع والأشخاص والأفكار في الشرق الأدنى القديم". نصوص جمعها د.شاربان وإف جوانيس، باريس ، إصدار بحوث عن الحضارة، 1992.

فيما يتعلق بملحمة جلجامش، يمكننا أن نجد إصدارات منها في المجيدو، بالقرب من حيفا حاليًا، وكذلك أريحا: يمتد عصر انتشارها من بلاد ما بين النهرين إلى الأراضي الفلسطينيّة وصولًا إلى الأناضول، في بلاط الملوك الحثيين. راجع بوتيرو، المرجع المذكور سابقًا، ص. 45-48. . نحن نذكر هنا هذه الملحمة بشكل بيانيّ للغاية، من خلال الاحتفاظ بالعناصر التي يمكن أن تساعدنا في فهم أوجه التشابه المقترحة مع فيلم الطريق؛ وهذا ما تؤكده القراءة الكاملة لهذه القصة مع مختلف أحداثها المعقّدة. راجع حول هذا الموضوع والتر بنيامين Pour une critique de la violence "نقد العنف" في L’homme, le langage et la culture "الإنسان واللغة والثقافة" باريس دينويل غونتييه، 1974، ص 37: "من الضروري قبل كل شيء إثبات أن القضاء على النزاعات المجرّدة تمامًا من العنف لا يمكن أبدا أن يتوصّل إلى عقد قانونيّ. وذلك لأن هذا الأخير، حتّى لو تمّ التوصّل إليه بمنتهى السلميّة، سيؤدي كتحليل أخير إلى عنف محتمل". والتعليق الذي اقترحه جاك دريدا في Force de loi. Le “fondement mystique de l’autorité” ، "قوة القانون: الأساس الغامض للسلطة" باريس غاليليه، 1994، ص 112 و 115: "ما من عقد لا عنف فيه في أصله (Ursprung) وفي نتيجته النهائيّة (Ausgang). (...) باختصار، لقد رأينا للتو أن الحقوق في أصلها كما في نهايتها، في أساسها وفي الحفاظ عليها، لا يمكن فصلهاعن العنف، سواء كان فورياً أو بوساطة، حاضرًا أو ممثلاً." دعونا نتذكر حلقة غس كيبوتس في الفيلم، حيث تقوم مجموعة من البروتستانت الأميركيين من كانساس بزراعة أشجار الزيتون (Le Centre، 00.29.00)، بإشراف حاخام وزوجته.

هنا، لا يمكننا الاستغناء عن كتاب رينيه جيرار، La violence et le sacré "العنف والمقدسات" باريس، غراسيه، 1972، المُخصّص بشكل أساسيّ للوظيفة التأسيسية للعنف القرباني.

هذا هو ما هو على المحكّ في نص والتر بنيامين، الذي تمّ الاستشهاد به سابقًا أو "تعدديّة الهيمنة"، التي تدعو إليها شانتال موف، Agonistique، باريس، دار بوزار دو باري، 2014، ص 17.

Epopée de Gilgamesh "ملحمة جلجامش" ورثاء إنكيدو، ترجمة رينيه لباط، المرجع المذكور سابقًا، ص 193. وفي ترجمة أحدث لجان بوتيرو، ص. 146:


[Moi qui, en ta compagnie
[Avais pas]sé tant de pé[r]ils,
Sou[viens-toi de moi], (mon) ami :
N’[oublie] rien de ce que j’ai enduré ! »

باربرا كاسانLa Nostalgie, Quand donc est-on chez soi ? "الحنين، متى نكون إذًا في ديارنا؟"باريس فيار، 2015.

Previous
Previous

خارونيون: بوابة أنطاكية إلى العالم السفلي

Next
Next

السفر والترحال